فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إذا جرينا على ظاهر التّفاسير كان قوله: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا} الآية استئنافًا ابتدائيًا، عاد به الخطاب إلى سائر النّاس الذين خوطبوا في أوّل السّورة بقوله: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} [الأعراف: 3] الآيات، وهم أمّة الدّعوة، لأنّ الغرض من السّورة إبطال ما كان عليه مشركو العرب من الشّرك وتوابعه من أحوال دينهم الجاهلي، وكان قوله: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم} [الأعراف: 11] استطرادًا بذكر منّة الله عليهم وهم يكفرون به كما تقدّم عند قوله تعالى: {ولقد خلقناكم} فخاطبتْ هذه الآية جميع بني آدم بشيء من الأمور المقصودة من السّورة فهذه الآية كالمقدّمة للغرض الذي يأتي في قوله: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31] ووقوعها في أثناء آيات التّحذير من كيد الشّيطان جعلها بمنزلة الاستطراد بين تلك الآيات وإن كانت هي من الغرض الأصلي.
ويجوز أن يكون قوله: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا} وما أشبهه ممّا افتتح بقوله: {يا بني آدم} أربعَ مرّات، من جملة المقول المحكي بقوله: {قال فيها تحيون} [الأعراف: 25] فيكون ممّا خاطب الله به بني آدم في ابتداء عهدهم بعمران الأرض على لسان أبيهم آدمَ، أو بطريق من طرق الإعلام الإلهي، ولو بالإلهام، لما تَنشأ به في نفوسهم هذه الحقائق، فابتدأ فأعلمهم بمنَّته عليهم أن أنزل لهم لباسًا يواري سَوْآتهم، ويتجمّلون به بمناسبة ما قصّ الله عليهم من تعري أبويهم حين بدت لهما سَوءاتُهما، ثمّ بتحذيرهم من كيد الشّيطان وفتنته بقوله: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان} [الأعراف: 27] ثمّ بأن أمرهم بأخذ اللّباس وهو زينة الإنسان عند مواقع العبادة لله تعالى بقوله: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31]، ثمّ بأن أخذ عليهم العهد بأن يُصدّقوا الرّسل وينتفعوا بهديهم بقوله: {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم} [الأعراف: 35] الآية، واستطرد بين ذلك كلّه بمواعظ تنفع الذين قُصدوا من هذا القَصص، وهم المشركون المكذّبون محمّدًا صلى الله عليه وسلم فهم المقصود من هذا الكلام كيفما تفنّنت أساليبه وتناسقَ نظمُه، وأيًّا ما كان فالمقصود الأوّل من هذه الخطابات أو من حكايتها هم مشركُو العرب ومكذّبو محمّد صلى الله عليه وسلم ولذلك تخللتْ هذه الخطاباتتِ مُستطرَدَاتٌ وتعريضاتٌ مناسبة لما وضعه المشركون من التّكاذيب في نقض أمر الفطرة.
والجُمل الثّلاث من قوله: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا} وقوله: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان} [الأعراف: 27] وقوله: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31] متّصلة تمام الاتّصال بقصّة فتنة الشّيطان لآدم وزوجه، أو متّصلة بالقول المحكي بجملة: {قال فيها تحيون} [الأعراف: 25] على طريقة تعداد المقول تعدادًا يشبه التّكرير.
وهذا الخطاب يشمل المؤمنين والمشركين، ولكن الحظّ الأوفر منه للمشركين: لأنّ حظّ المؤمنين منه هو الشّكر على يَقينهم بأنّهم موافقون في شؤونهم لمرضاة ربّهم، وأمّا حظّ المشركين فهو الإنذار بأنّهم كافرون بنعمة ربّهم، معرّضون لسخطه وعقابه.
وابتُدئ الخطاب بالنّداء ليقع إقبالهم على ما بعده بشراشر قلوبهم، وكان لاختيار استحضارهم عند الخطاب بعنوان بني آدم مرّتين وقْع عجيب، بعد الفراغ من ذكر قصّة خلق آدم وما لقيه من وسوسة الشّيطان: وذلك أنّ شأن الذرّية أن تثأر لآبائها، وتعادي عدوّهم، وتحترس من الوقوع في شَرَكه.
ولمّا كان إلهام الله آدمَ أن يَستر نفسه بوَرق الجنّة مِنَّةٌ عليه، وقد تقلّدها بنوه، خوطب النّاس بشمول هذه المنّة لهم بعنوان يدلّ على أنّها منّةٌ موروثة، وهي أوقع وأدعى للشّكر، ولذلك سمّى تيسير اللّباس لهم وإلهامهم إياه إنزالًا، لقصد تشريف هذا المظهر، وهو أوّل مظاهر الحَضارة، بأنّه منزّل على النّاس من عند الله، أو لأنّ الذي كان مِنْهُ على آدم نزل به من الجنّة إلى الأرض التي هو فيها، فكان له في معنى الإنزال مزيد اختصاص، على أنّ مجرّد الإلهام إلى استعماله بتسخير إلهي، مع ما فيه من عظيم الجدوى على النّاس والنّفع لهم، يحسِّن استعارة فعل الإنزال إليه، تشريفًا لشأنه، وشاركه في هذا المعنى ما يكون من الملهمات عظيم النّفع، كما في قوله: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للنّاس} [الحديد: 25] أي أنزلنا الإلهام إلى استعماله والدّفاععِ به، وكذلك قوله: {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} [الزمر: 6] أي: خلَقها لكم في الأرض بتدبيره، وعلَّمكم استخدامها والانتفاعَ بما فيها، ولا يطرد في جميع ما أُلهم إليه البشر ممّا هو دون هذه في الجدوى، وقد كان ذلك اللّباس الذي نزل به آدم هو أصل اللّباس الذي يستعمله البشر.
وهذا تنبيه إلى أنّ اللّباس من أصل الفطرة الإنسانيّة، والفطرة أوّل أصول الإسْلام، وأنّه ممّا كرم الله به النّوع منذ ظهوره في الأرض، وفي هذا تعريض بالمشركين إذ جعلوا من قرباتهم نزع لباسهم بأن يحجّوا عُراة كما سيأتي عند قوله: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده} [الأعراف: 32] فخالفوا الفطرة، وقد كان الأمم يحْتفلون في أعياد أديانهم بأحسن اللّباس، كما حكى الله عن موسى عليه السّلام وأهل مصر: {قال موعدكم يوم الزينة} [طه: 59].
واللّباس اسم لما يلبَسه الإنسان أي يستُر به جزءًا من جسده، فالقميص لباس، والإزار لباس، والعمامة لباس، ويقال لبس التّاج ولبس الخاتم قال تعالى: {وتستخرجون حلية تلبسونها} [فاطر: 12] ومصدر لبس اللّبس بضمّ اللاّم.
وجملة: {يواري سوآتكم} صفة للباسًا وهو صنف اللّباس اللاّزم، وهذه الصّفة صفة مَدح اللّباس أي من شأنه ذلك وإن كان كثير من اللّباس ليس لمواراة السوآت مثل العمامة والبرد والقباء وفي الآيه إشارة إلى وجوب ستر العورة المغلظة، وهي السوأة، وأمّا ستر ما عداها من الرّجل والمرأة فلا تدلّ الآية عليه، وقد ثبت بعضه بالسنّة، وبعضه بالقياس والخوض في تفاصيلها وعللها من مسائل الفقه.
والرّيش لباس الزّينة الزائد على ما يستر العورة، وهو مستعار من ريش الطّير لأنّه زينته، ويقال للباس الزّينة رِياش.
وعطف {ريشًا} على: {لباسًا يزارى سوآتكم} عطفَ صنف على صنف، والمعنى يَسَّرنا لكم لباسًا يستركم ولباسًا تتزيّنون به.
وقوله: {ولباس التقوى} قرأه نافع، وابن عامر، والكسائي، وأبُو جعفر: بالنّصب، عطفًا على {لباسًا} فيكون من اللّباس المُنْزَل أي الملهَم، فيتعيّن أنّه لباس حقيقة أي شيء يلبس.
والتّقوى، على هذه القراءة، مصدر بمعنى الوقاية، فالمراد: لَبوس الحرب، من الدّروع والجواشن والمغافر.
فيكون كقوله تعالى: {وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم} [النحل: 81].
والإشارة باسم الإشارة المفرد بتأويل المذكور، وهو اللّباس بأصنافه الثّلاثة، أي خير أعطاه الله بني آدم.
فالجملة مستأنفة أو حال من {لباسًا} وما عطف عليه.
وقرأه ابن كثير، وعاصم، وحمزة، وأبو عمرو، ويعقوب، وخَلف: برفع {لباس التقوى} على أنّ الجملة معطوفة على جملة {قد أنزلنا عليكم لباسًا}، فيجوز أن يكون المراد بلباس التّقوى مثل ما يرد به في قراءة النّصب، ويجوز أن يكون المراد بالتّقوى تقوى الله وخشيته، وأطلق عليها اللّباس إمّا بتخييل التّقوى بلباس يُلبس، وإمّا بتشبيه ملازمة تقوى الله بملازمة اللاّبس لباسه، كقوله تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187] مع ما يحسِّن هذا الإطلاق من المشاكلة.
وهذا المعنى الرّفعُ أليقُ به.
ويكون استطرادًا للتّحريض على تقوى الله، فإنّها خير للنّاس من منافع الزّينة، واسم الإشارة على هذه القراءة لتعظيم المشار إليه.
وجملة: {ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون} استئناف ثان على قراءة: {ولباس التقوى} بالنّصب بأن استأنف.
بعد الامتنان بأصناف اللبّاس، استئنافين يؤذنان بعظيم النّعمة: الأوّل بأنّ اللّباس خير للنّاس، والثّاني بأنّ اللّباس آية من آيات الله تدلّ على علمه ولطفه، وتدلّ على وجوده، وفيها آية أخرى وهي الدّلالة على علم الله تعالى بأن ستكون أمّة يَغلب عليها الضّلال فيكونون في حجّهم عُراةً، فلذلك أكّد الوصاية به.
والمشار إليه، بالإشارة التي في الجملة الثّانية، عين المشار إليه بالإشارة التي في الجملة الأولى وللاهتمام بكلتا الجملتين جعلت الثّانية مستقلّة غير معطوفة.
وعلى قراءة رفع: {ولباس للتقوى} تكون جملة: ذلك من آيات الله استئناف واحدًا والإشارة التي في الجملة الثّانية عائدة إلى المذكور قبلُ من أصناف اللّباس حتّى المجازي على تفسير لباس التّقوى بالمجازي.
وضمير الغيبة في: {لعلهم يذكرون} التفات أي جعل الله ذلك آية لعلّكم تتذكّرون عظيم قدرة الله تعالى وانفراده بالخلق والتّقدير واللّطف، وفي هذا الإلتفات تعريض بمن لم يتذكر من بني آدم فكأنّه غائب عن حضرة الخطاب، على أنّ ضمائر الغيبة، في مثل هذا المقام في القرآن، كثيرًا ما يقصد بها مشركو العرب. اهـ.

.قال القاسمي:

{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [26].
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا} يعني ما يلبس من الثياب وغيره.
قال الزمخشري: جعل ما في الأرض منزلًا من السماء، لأنه قضى ثمة وكتب، أي: قضى وقسم لكم، وقضاياه وقسمه توصف بالنزول من السماء، حيث كتب في اللوح المحفوظ.
وقال أبو البقاء: لما كان الريش واللباس ينبتان بالمطر، والمطر ينزل، جعل ما هو المسبب بمنزلة السبب. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له في معنى النزول: لا حاجة إلى إخراج اللفظ عن معناه المعروف لغة، في اللباس والأثاث، وهذا- والله أعلم- معنى إنزاله، فإنه ينزله من ظهور الأنعام، وهو كسوة الأنعام من الأصواف والأوبار والأشعار، وينتفع به بنو آدم في اللباس والرياش، فقد أنزلها عليهم، وأكثر أهل الأرض كسوتهم من جلود الدواب، فهي لدفع الحر والبرد، وأعظم مما يصنع من القطن والكتان.
{يُوَارِي سَوْآتِكُمْ} أي: يستر عوراتكم التي قصد إبليس إبداءها من أبويكم حتى اضطرا إلى خصف الأوراق، وأنتم مستغنون عن ذلك.
{وَرِيشًا} عطفه إما من عطف الصفات، فوصف اللباس بشيئين: مواراة السوأة والزينة، فالريش بمعنى الزينة، لأنه زينة الطير فاستعير منه، وأما من عطف الشيء على غيره، أي: أنزلنا لباسين:
لباس مواراة، ولباس زينة، فيكون مما حذف فيه الموصوف، أي: لباسًا ريشًا، أي: ذا ريش، والريش مشترك بين الاسم والمصدر.
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وحكاه البخاري عنه: الريش المال، وحكاه غير واحد من السلف، قال الإمام ابن تيمية: وبعض المفسرين أطلق عليه لفظ المال، والمراد به مال مخصوص، قال ابن زيد: جمالا، قال ابن السكيت: الرياش هو الأثاث من المتاع والأموال، وقد يكون في الثياب دون الأموال، وإنه لحسن الريش، أي: الثياب. انتهى.
ويقال: راش فلان، أي: جمع الريش، وهو المال والأثاث. وراش الصديق أطعمه وسقاه وكساه، وأصله من الريش كأن الفقير المملق لا نهوض له، كالمقصوص منه الجناح وكل من أوليته خيرًا، فقد رشته، كذا في تاج العروس.
فائدة:
روى الإمام أحمد عن أبي أمامة عن عُمَر بن الخطاب قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «من استجد ثوبًا فلبسه، فقال حين يبلغ ترقوته: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في حياتي، ثم عمد إلى الثوب الذي أخلق فتصدق به كان في ذمه الله تعالى وفي جوار الله، وفي كنف الله حيًا وميتًا». ورواه الترمذي وابن ماجة، وروى الإمام أحمد عن أبي مطر أنه رأى عليًا رضي الله عنه أتى غلامًا حدثًا، فاشترى منه قميصًا بثلاثة دراهم، ولبسه إلى ما بين الرسغين إلى الكعبين، ويقول ولبسه: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتي. فقيل: هذا شيء ترويه عن نفسك أو عن نبي الله صلى الله عليه وسلم عند الكسوة: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس وأواري به عورتي.
ولما بين تعالى ساتر الظاهر وزينته، أشار إلى ساتر عيوب الباطن وزينته بقوله: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} أي: خشية الله، أو الإيمان، أو السمت الحسن، والكل متقارب، ورفعة بالابتداء خبره جملة: {ذَلِكَ خَيْرٌ} أو خيرٌ، وذلك صفته، كأنه قيل: ولباس التقوى المشار إليه خير.
قال المهايمي: لأن الظاهر محل نظر الخلق، والباطن محل نظر الحق، والعيوب الباطنة أفحش من العورات الظاهرة.
وقال القاشاني: لباس التقوى صفة الورع والحذر من صفة النفس، ذلك خير لأنه من جملة أركان الشرائع، لأنه أصل الدين وأساسه، كالحمية في العلاج. انتهى.
قال أبو علي الفارسي: معنى الآية: ولباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به، وأقرب له إلى الله تعالى، مما خلق من اللباس والرياش الذي يتجمل به، قال: وأضيف اللباس إلى التقوى، كما أضيف إلى الجوع في قوله: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}. انتهى.
أي: فهو استعارة مكنية وتخييلية بأن يتوهم للتقوى حالة شبيهة باللباس، تشتمل على جميع بدنه، بحسب الورع والخشية من الله، اشتمال اللباس على اللابس، أو من قبيل لجين الماء. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي {ولباس التقوى} بالنصب، عطفًا على {لباسًا}.
{ذَلِكَ} أي: إنزال اللباس: {مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} الدالة على فضله ورحمته على عباده {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي: نعمته عليهم فيعرفون عظمتها فيشكرونها.
قال الزمخشري: وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدو السوآت، وخصف الأوراق عليها، إظهارًا للمنة فيما خلق من اللباس، ولما في العري، وكشف العورة من المهانة والفضيحة، وإشعارًا بأن التستر باب عظيم من أبواب التقوى.
تنبيه:
قال الجشمي: تدل الآية على عظيم نعمه تعالى بهذه النعم التي عدها، وذهب علي بن موسى القمي إلى أنها تدل على وجوب ستر العورة، وقال آخرون: لا تدل، وليس في الظاهر إلا الإنعام به من حيث نفي الحر والبرد وستر العورة والتجمل به، فأما أنه واجب، فبعيد، ولو ثبت وجوبه عليه، احتجنا إلى وجوبه في شريعتنا إلى دليل مستأنف، وقد ثبت في هذه الشريعة وجوبه بالخبر المستفيض والإجماع، فلا حاجة إلى الرجوع إلى شريعة أخرى.
وتدل على أنه تعالى كما أنعم بنعم الدنيا، أنعم بنعم الدين، فإن الأقرب أن لباس التقوى العلم والعمل الصالح، فكأنه ضم إلى نعم الدنيا نعم الدين التي بها يحصل الفوز بالثواب، فتحصل نعمة الدارين. اهـ.